مدخل إلى رسالة تيتوس
تُعتبر الرّسائلُ الثلاث، تيموتاوي الأولى وتيموتاوي الثانية وتيتوس، مُتميّزةً من بين رسائل بولس كلِّها من حيث الشكل والمحتوى. ويبدو أنّه كَتَبَها في مرحلة متأخّرة من حياته. ويَعتبِر المفسِّرون المحافظون أنّ فترة كتابة هذه الرسالة تَلتْ فترة كتابة رسالة تيموتاوي الأولى وسبقت الفترةَ التي كُتبت فيها رسالةُ تيموتاوي الثانية. ولمزيد من المعلومات حول تأليف هذه الرسالة وتاريخِها، يُرجَى العودةُ إلى مدخل رسالة تيموتاوي الأولى.
يُوجِّه بولس هذه الرسالة إلى تيتوس الذي أرسله لمساعدة المؤمنين في جزيرة كريت، وهي جزيرة كبيرة في البحر الأبيض المتوسط وكانت مقاطعةً رومانيّة، وأغلب سكّانِها يشتغلون في الفلاحة وزراعة الفاكهة.
وقد اهتدى تيتوس إلى الإيمان بالسيد المسيح (سلامُهُ علينا) عن طريق الدّعوة التي نشرها بولس كما اهتدى قبله تيموتاوي. ولم يكن تيتوس من أصل يهودي، ولم يُذكر موطنُه الأصليُّ ولا المكانُ الذي عاش فيه. وقد رافق بولس وبرنابا إلى القدس، وكان موجودا عندما أصدر الحواريون والقادة في القدس فتوى مُفادُها أنّ الذين اتّبعوا السيد المسيح من غير اليهود لا يُفرض عليهم التهويدُ (انظر رسالة غلاطية 2: 1 – 9). وقد كان تيتوس برفقة بولس في رحلته الثالثة للدعوة، كما جاء في الرسالة الثانية إلى أحباب الله في كورنتوس. وقد قام تيتوس، باعتباره رفيقا لبولس، بِدورٍ مُهمٍّ في حلّ مشكلات عديدة كانت قائمةً بين جماعة المؤمنين في كورنتوس. وقد كلّفه بولس بحمل رسالة شديدةِ اللّهجةِ إلى الكورنتيين، وبتدبّر أمر جمع التبرّعات من المؤمنين في كورنتوس لصالح الفقراء في القدس من أتباع السيد المسيح.
وترك الحواري بولس تيتوس على جزيرة كريت لتنظيم جماعة المؤمنين هناك قَبْلَ زمن كتابة هذه الرسالة، ولكي يَحُلّ الوضعَ المتأزّمَ الذي يتعلق بالدعاة المضلِّلين الذين تَسلّلوا إلى الجماعات. ويبدو وصفُ هؤلاء مُشابِهًا لأولئك الذين ذُكروا في رسالة تيموتاوي الأولى. فربّما نَشروا تعاليمهم انطلاقا من مدينة أفاسوس داخل الجماعات الأخرى بسرعة. وحاول هؤلاء المضلّلون تهويد أتباع السيّد المسيح من خلال الختان، كما حاولوا السيطرة على الجماعات التي أسّسها بولس، وهو بدوره واجَهَهُم، لأنّهم ينتمون إلى الجماعة نفسها التي واجهها بولس في غلاطية، وتمّتْ الإشارةُ إليها في العديد من رسائل بولس المبكّرة. ونجح هؤلاء الخصوم في البداية، ولكنّ نجاحهم لم يستمرّ طويلا.
بسم الله تبارك وتعالى
رسالة الحَواريّ بولُس إلى تيتوس
الفصل الأوّل
تحيّة
1 مِن بولُس عَبدِ اللهِ، وحَوارِيِّ عيسى المَسيحِ. إنّهُ أرسَلَني حَتّى أُنيرَ طَريقَ الإيمانِ لِلمُختارينَ، فيَسلُكوا سَبيلَ الحَقِّ الّذي يَجعَلُ النّاسَ مِن المُتَّقينَ. 2 وكُلُّ مَن يُؤمنُ برِسالةِ السَّيِّدِ المَسيحِ يَكونُ على يَقينٍ بِدارِ الخُلدِ، تِلكَ الدّارِ الّتي وَعَدَنا اللهُ بها مِن قَبلِ خَلقِ العالَمينَ، إنّ اللهَ لا يُخلِفُ مِيعادًا وَعَدَنا بِهِ. 3 فقد ظَهَرَت كَلِمتُهُ في الوَقتِ المُحَدَّدِ حينَما بَعَثَ الرِّسالةَ، وإنِّي مُكَلَّفٌ بِتَبليغِها بِأمرِ اللهِ مُنَجِّينا، 4 وها إنّي أكتُبُ إلى تيتُوسَ، ابني الحَقيقيِّ في الإيمانِ الّذي نَشتَرِكُ فيهِ جَميعًا. السَّلامُ عليكَ والرَّحمةُ مِن اللهِ أبينا الأحَدِ الصَّمَدِ، ومِن سَيِّدِنا عيسى المَسيحِ مُنَجِّينا.
مهمّة تيتوس في كريت
5 أمّا بَعدُ، فإنّي تَرَكتُكَ في جَزيرةِ كِريتَ حَتّى تُنهي الإشرافَ على جَماعاتِ المؤمنينَ، فتُقيمَ بَينَهُم شُيُوخًا يُشرِفونَ عليهِم في كُلِّ بَلدةٍ كَما أوصَيتُكَ.
6 وعلى الشَّيخِ أن يَكونَ مُنَزَّهًا عنِ الشَّوائبِ ومَن كانَت لهُ زَوجةٌ واحِدةٌ وأولادٌ مؤمنونَ، لَيسُوا مُتّهَمينَ بِالفِسقِ أوِ العُقوقِ.
* 7 وعلى الّذينَ جَعَلَهُمُ اللهُ مُشرِفينَ على الجَماعاتِ
† أن يَكونوا مُنَزَّهينَ عَنِ الشَّوائبِ، في مَنأى عنِ العِنادِ والغَضَبِ والسُّكْرِ والعُنفِ، ولا يَسعَونَ إلى الكَسبِ الحَرامِ أبَدًا.
8 وعليهِم أن يَكونوا كُرَماءَ مِضيافينَ، مُحِبِّينَ لِلخَيرِ، عُقَلاءَ، صالِحينَ، أتقِياءَ، ذَوي عِفّةٍ،
9 وأن يَتَمَسَّكوا برِسالةِ الحَقِّ الّتي نَدعو إِليها، وبِذلِكَ يَتَمَكَّنونَ مِن الوَعظِ والدَّعوةِ إلى التَّعاليمِ الصَّحيحةِ، وإفحامِ المُعارِضِينَ.
10 نعم، لا بُدَّ أن تُقيمَ شُيوخًا مُتَّقينَ على المؤمنينَ، إذ يُوجَدُ كَثيرٌ مِن الشُّيوخِ المُتَمَرِّدينَ على وَحيِ اللهِ الّذينَ يَخدَعونَ النّاسَ بِتافِهِ الأقاوِيلِ، وخاصّةً مِنهُمُ الّذينَ يَعمَلونَ على تَهويدِهِم.
11 فلا بُدَّ مِن إفحامِ هؤُلاءِ المُتَمَرِّدينَ، لأنّهُم يُفسِدونَ إِيمانَ عائِلاتٍ بأكمَلِها بِتَعليمِهِم أُمُورًا باطِلةً، وما ذلِكَ إلاّ سَعيٌ إلى المالِ الحَرامِ،
‡ 12 وقد قالَ أحَدُ أهلِ كِرِيتَ، الّذي يُعتَبَرُ نَبِيًّا خاصًّا بِهِم: “إنّ أهلَ كِريتَ دائِمًا كَذّابونَ، وُحوشٌ لا يَرحَمونَ، كَسالى شَرِهونَ”.
§ 13 وإنّ هذا القَولَ حقٌّ فعاتِبْهم بِشِدّةٍ لِكَي يَكونَ إيمانُهُم سَليمًا،
14 فلا يُبالوا بِالخُرافاتِ اليَهودِيّةِ، ولا بِما فَرَضَهُ عليهُم المُرتَدّونَ عنِ الحَقِّ.
* 15 إنّ كُلَّ شَيءٍ طاهِرٌ في نَظَرِ الطّاهِرينَ، أمّا الّذينَ يَترُكونَ إيمانَهُم بسَيِّدِنا (سلامُهُ علينا)، فلا شَيءَ في نَظَرِهِم طاهِرٌ، فقد تَنَجَّسَت مَشاعِرُهُم وضَمائِرُهم بِمُعتَقداتِهِم الباطِلةِ.
16 ويَدَّعونَ أنّهُم عارِفونَ بِاللهِ، لكِنّهُم بِأفعالِهِم يَكفُرونَ بِهِ، وهُمُ مَكروهونَ عُصاةٌ، لا يَصلُحونَ لأيِّ عَمَلٍ صالِحٍ.