1 إنَّ شَرعَ النَّبيِّ موسى لَيسَ إلاّ ظِلَّ البَرَكاتِ المُنتَظَرةِ وصُورةً لها، لا الحَقيقَةَ ذاتَها. لذلِكَ لَم تَستَطِع أضاحي الأَحبارِ الّتي يُقَدِّمونَها بِاستِمرارٍ حَولاً بَعدِ حَولٍ كَما نَصَّت على ذلِكَ شَريعةُ بَني يَعقوبَ أن تَجعَلَ النّاسَ مِن الواصِلينَ الأَطهارِ. 2 وإلاّ فلِماذا استَمَرّوا في تَقديمِ تِلكَ القَرابينِ؟ إنّ قُلوبَ العابِدينَ، إذا تَطَهَّرَت مَرّةً، لن تَحتاج إلى تَطهيرٍ مَرّةً أُخرى، إذ يَزولُ الشُّعورُ بالذَّنبِ بالتَّطهيرِ الأوّلِ. 3 ولكنَّ القَرابينَ الّتي تُقَدَّمُ كُلَّ سَنةٍ تُذَكِّرُ العابِدينَ بِخَطاياهُم. 4 فدِماءُ الثِّيرانِ والتُّيوسِ لا يُمكِنُ أَن تَمحو ذُنوبَ المُذنِبينَ!

5 لذلِكَ حينَ جاءَ سَيِّدُنا المَسيحُ إلى هذا العالَمِ، قالَ ما وَرَدَ في الزَّبورِ: “يا اللهُ، أنتَ لا تُريدُ أضاحيَ ولا قَرابينَ مِن النّاسِ، ولكنَّكَ لِهذا الغَرَضِ جَعَلتَ لي جِسمًا بَشَريًّا، 6 وأنتَ لم تَرضَ بالذَّبائحِ وغَيرِها مِن القَرابينِ يَحرِقونَها أمامَكَ ليُكَفِّروا بِها ذَنبًا عَصيًّا. 7 ولقد قُلتُ لكَ: لَبَّيكَ اللَّهُمَّ، قد جِئتُ طَوعَ إرادتِكَ، كَما أخبَرتَ عنّي في كِتابِكَ”.* كتاب الزبور، المزمور 40: 6‏-8.

8 إنّ في قَولِ السَّيِّدِ المَسيحِ دَليلاً على عَدَمِ رِضَى اللهِ بكُلِّ أنواعِ الأَضاحي والقَرابينِ بِما في ذلِكَ الذَّبائحِ الّتي تُحرَقُ تَكفيرًا عَنِ الذُّنوبِ، رَغمَ أنّها تُقَدَّمُ وَفقًا لِما جاءَ في الشَّريعةِ. 9 ويُضيفُ (سلامُهُ علينا) في قَولِهِ أيضًا أنّهُ أَتى ليُتِمَّ إرادةَ اللهِ. فأوقَفَ اللهُ تَقديمَ الذَّبائحِ الحَيوانيّةِ حَسَبَ النِّظامِ القَديمِ، ليُقيمَ النِّظامَ الجَديدَ على أَساسِ تَضحيتِهِ (سلامُهُ علينا). 10 وأتَمَّ اللهُ مَقصِدَهُ بِتَضحيةِ سَيِّدِنا المَسيحِ بحَياتِهِ فِديةً مَرّةً واحِدةً، فأَصبَحنا لِلهِ مِنَ المَنذورينَ.

11 وحَسَبَ الميثاقِ القَديمِ، يَقِفُ أحبارُ بَني يَعقوبَ ويَقومونَ بِمُهِمَّتِهِم أَمامَ المِحرَقةِ يَومًا بَعدِ يومٍ، فيُقَدِّمونَ الأضاحي عَينَها مَرّةً تِلوَ الأُخرى، رَغمَ عَجزِهِم عن مَحوِ الذُّنوبِ بها. 12 أَمّا سَيِّدُنا عيسى فقَد ضَحَّى بِحَياتِهِ مَرّةً واحِدةً فجَعَلَ أتباعَهُ طاهِرينَ مِن كُلِّ الخَطايا إلى الأَبَدِ، ثُمّ جَلَسَ عَن يَمينِ اللهِ. 13 وإنّ سَيِّدَنا عيسى مُنذُ ذلِكَ الوَقتِ يَنتَظِرُ أن يَقهَرَ اللهُ لهُ أَعداءَهُ ويَرميهِم تَحتَ قَدَمَيْهِ صاغِرينَ.† يشير الكاتب مرة أخرى لمزمور 110: 1. 14 فهو بتَضحيتِهِ مَرّةً واحِدةً جَعَلَ الّذينَ نَذَرَهُم للهِ مَقبولينَ قُبولاً حاسِمًا عِندَ اللهِ إلى الأَبَدِ.

15 وهذا وَفقًا لِشَهادةِ رُوحِ اللهِ أَيضًا، إذ جاءَ في كِتابِ النَّبيِّ إرميا: 16 “أَمّا في الأَيّامِ القادِمةِ، فَسأُبرِمُ مَعَ بَني يَعقوبَ ميثاقًا جَديدًا على النَّحو التّالي: في سَريرتِهِم تَكونُ شَريعتي وفي عُقولِهِم أنقُشُها”.‡ كتاب النبي إرميا 31: 33. 17 ويَقولُ اللهُ فَوقَ ذلِكَ: “ولن أحسِبَ ذُنوبَهُم وآثامَهُم فيما بَعدُ”.§ كتاب النبي إرميا 31: 34. 18 وإذ غَفَرَ اللهُ الذُّنوبَ والخَطايا إلى الأبَدِ، فأيّ حاجةٍ إلى القَرابينِ بَعدَ ذلِكَ!؟

19 لذا، يا إخوتي، فنَحنُ قادِرونَ الآنَ على التَّقَرُّبِ إلى اللهِ في المِحرابِ الأَقدَسِ بِكُلِّ ثِقَةٍ، لأَنَّ سَيِّدَنا عيسى فَدانا بِدَمِهِ. 20 فعِندَما ضَحّى (سلامُهُ علينا) بِحَياتِهِ مِن أَجلِنا، فَتَحَ طَريقًا جَديدًا خالِدًا كَي نَمُرَّ وَراءَ الحِجابِ. 21 وإنّهُ حَبرُنا العَظيمُ، يُشرِفُ على أهلِ بَيتِ اللهِ المؤمِنينَ. 22 فَلنَتَقَرِّب مِثلَهُ إلى حَضرةِ اللهِ بِقَلبٍ مُخلِصٍ وبِإيمانٍ ثابِتٍ، بَعدَ أَن أصبَحَتْ ضَمائِرُنا طاهِرةً مِنَ الذَّنبِ بِإِراقِةِ دَمِهِ، وتَطَهَّرَت أَجسامُنا بِماءٍ نَقيٍّ. 23 ولِنَتَشَبِّث دائِمًا بالإيمانِ الّذي نُعلِنُهُ بِكُلِّ يَقينٍ ودونَ تَرَدُّدٍ، لأَنَّ اللهَ صادِقٌ في وَعدِهِ أَمينٌ. 24 ولنَسعَ إلى حَثِّ بَعضِنا بَعضٍ على المَحَبّةِ وَعَمَلِ الخَيرِ. 25 وعلينا أَلاّ نَغفَلَ عَنِ اجتِماعاتِنا كَما دأبَ البَعضُ، بل اجتَمِعوا كَي تُشَجِّعوا بَعضُكُم بَعضًا، خاصّةً واليَومُ المَوعودُ الّذي سيَتَجَلَّى فيهِ سَيِّدُنا مَلِكًا يَدنو مِنكُم.

26 فإن استَمَرَّ أَحَدُنا عَمَدًا في ارتِكابِ الخَطايا بَعدَ أن تَبَيَّنَّ الحَقَّ، فلا توجَدُ أيُّ ذَبيحَةٍ قادِرةٍ على إزالةِ الذَّنبِ عَنهُ بَعدَ تَضحيةِ السَّيِّدِ المَسيح. 27 بل إنّهُ يَنتَظِرُ يَومَ الدِّينِ بفَزَعٍ، يَومَ يَلقى النّارَ المُرعِبةَ تَلتَهِمُ أعداءَ اللهِ جَميعًا. 28 وفي القَديمِ، كانَ يُقتَلُ كُلَّ مَن يُخالِفُ شَريعةَ النَّبيِّ موسى دونَ رَحمةٍ بشَهادةِ شاهِدَينِ أو ثَلاثةٌ، 29 فحَسَبَ رأيكُم كَيفَ يَكونُ عِقابُ الّذينَ رَفَضوا السَّيِّدَ المَسيحَ، الابنَ الرُّوحيَّ للهِ وداسُوهُ تَحتَ أقدامِهِم، أولئكَ الّذينَ اعتَبَروا دَمَ الميثاقِ الّذي نَذَرَهُم بِهِ اللهُ، لا قِيمةَ لهُ، فأَهانوا رُوحَ اللهِ الرَّحيمِ؟ 30 وإنّا على عِلمٍ بِما جاءَ في التَّوراةِ، إذ قالَ تَعالى: “لي وَحِدي حَقُّ القِصاصِ، وإنّي لأُجازي النّاسَ جَميعًا لا مَحالةَ”. وقالَ أَيضًا: “سيُحاكِمُ اللهُ أهلَ الميثاقِ المُختارينَ”.* التوراة، سفر التثنية 32: 35‏-36 31 فما أرهَبَ الوُقوعَ تَحتَ عِقابِ اللهِ الحَيِّ القَيّومِ!

32 فلا تَنسَوْا يا أحبابي الأيّامَ الماضيةَ، بَعدَ أن أَصبَحتُم تَستَنيرونَ بِنورِ الإيمانِ بِالسَّيِّدِ المَسيحِ، فصَمَدتُم بنِضالِكُم الطَّويلِ، إذ قاسَيتُم الآلامَ كَثيرًا. 33 إنَّكُم تَعَرَّضتُم في سَبيلِ السَّيِّدِ المَسيحِ لِلذُلِّ عَلَنًا باضطِهادِكُم وإهانتِكُم حينًا، وسانَدتُم الّذينَ قاسوا هذِهِ المُعامَلاتِ حينًا آخَر. 34 فلَقَد تَعاطَفتُم مَعَ المؤمنينَ السُّجَناءِ، ولمّا صُودِرَتْ مُمتَلَكاتُكُم بسَبَبِ إيمانِكُم، تَقَبَّلتُم ذلِكَ بِسَعادةٍ ورِضى، إذ كُنتُم على يَقينٍ أنَّ ما يَنتَظِرُكُم عِندَ اللهِ خَيرٌ وأبقى. 35 فَلا تُلقُوا بما جَهَرتُم بِهِ عَن سَيِّدِنا المَسيحِ وَراءَ ظُهورِكُم، فإنَّ لهذِهِ الشَّجاعةِ الجَزاءَ الأَوفى. 36 وعليكُم أن تَصبِروا على المُضايقاتِ، وأن تَعمَلوا بِما يُرضي اللهَ، فتَنالوا الوَعدَ الأَسمى.

37 لقد أوحى اللهُ في كِتابِ النَّبيِّ حَبَقّوقَ عَن سَيِّدِنا المَسيحِ: “آتٍ هوَ المُنتَظَرُ عَمّا قَريب، ولن يَتأَخَّرَ. 38 إنَّ كُلَّ مَن أرضى عَنهُ يَحيا بِالإيمانِ الحَياةَ الرَّضيَّةَ، أَمّا أنا فلَن أَرضى عَن المُرتَدّينَ”.† كتاب النبي حبقوق 2: 3‏-4. 39 وما نَحنُ يا إخواني مِن أَهلِ الرِّدَّةِ الهالِكينَ، بل نَحنُ أَهلُ الإيمانِ النّاجونَ.